Vues et vécus en Algérie et ailleurs. Forum où au cours des jours et du temps j'essaierai de donner quelque chose de moi en quelques mots qui, j'espère, seront modestes, justes et élégants dans la mesure du possible. Bienvenue donc à qui accède à cet espace et bienvenue à ses commentaires. Abdelmalek SMARI
فضل ليوناردو على الأرقام العربيّة من فضل بجاية على ليوناردو
لم يكن " ليوناردو" يرى الاِمْكانيّاتِ الكبيرة للنِّظامِ الجَديدِ فحَسْبُ بل بَذَلَ كُلَّ ما في وُسْعِه لكي يَكونَ اسْتِخْدامُه مُنْتَشِرًا على أَوسَعِ نِطاقٍ ؛ وهكذا استطاع أن يؤسّس مَنْهَجَ تَعْليمٍ جَديدًا تَمامًا في عَصْرِه .
يَتَضَمَّنُ عَمَلُه المَذْكورُ "كِتابُ المِعْدادِ" جُزْءً نَظَريًّا عَرَضَ فيه صاحبُه الأرْقامَ الهِنْديّةَ واسْتِخْدامَها للدَّلالةِ المَوضِعيّةِ كَما أعادَ فيه أيضًا اِكْتِشافَ عِلْمِ الرِّياضيّين الكِبارِ من العَرَبِ واليونانِ مثل الخوارِزْمي
وأبو كامِل وإقْليدِس خاصّةً .
يَتَضَمَّنُ هذا الكتاب كذلك جُزْءً تَطْبيقيًّا وَضَّحَ فيه " ليوناردو" تلك الأفْكارَ بواسِطةِ تَمارينَ عَديدةٍ شَرَحَتْ أوضاعًا كانَتْ في ذلك الوقت جَديدةً حتّى بالنِسْبةِ إليه ، وهذه التَّمارِنُ التَّطْبِقيّةُ كانَتْ حُلولًا للمَشاكِلِ الّتي كانَتْ تَحْدُثُ لتُجّارِ عَصْرِه.
في ذلك الوَقْتِ لم تَكُنْ هناك مَدارِسُ تَقْريبًا وكانَ قساوس أو مُعَلِّمونَ خاصّونَ فقط يُعْطونَ التَّعْليمَ الّذي كانَ تَرَفًا للقَليلينَ القادِرينَ على تَحَمُّلِ أعبائه.
لا نَعْرِفُ ما إذا كانَ " ليوناردو" أو بَعْضُ أتْباعِه هم الّذين أسَّسوا تلك المدارس ، لكن لم يمض على مَوتِه إلّا قَليلا من الوقت حتّى بدأتْ تُفتح هنا وهناك مَدارس للجَميعِ (كانَ أبْناءُ التُّجّارِ الأوائلَ الّذين يَتَرَدَّدونَ عليها) تستعمل بَرْنامَجا مَدْرَسيّا مَبْنيّا على كِتابِه .
ومن المُدْهِشِ أن نَجِدَ نَفْسَ القاعِدةِ مُعْتَمَدةً في جميع مَدارِسِ العالم حتّى الآنَ !
من الّذي لا يَذْكُرُ مَشاكِلَ حسابيّة فيها فَلّاحونَ يَبيعونَ تَفافِحَهم في السّوقِ ؟
من الّذي لم يُضْطَرَّ إلى حِفْظِ جَداوِلِ الضَّرْبِ ، لَعَلّه هو نَفْسُه من وضعها ؟!
وهكذا ، رُوَيدًا رُوَيدًا وبصِفةٍ حَتْميّةٍ ، بَدَأَتْ تَنْتَشِرُ ثَقافةُ الحِسابِ الّذي سايَرَ تَعْليمِ الكِتابةِ فصار قاعِدةً لتَنْميةِ العِلْمِ الحَديثِ .
بَقِيَ لناالآن أن نفسّرالشَّكْل الكِتابيّ الّذي أخَذَتْه الأرْقامُ في الأبْجَديّاتِ المُخْتَلِفةِ ؛ هناك فرق كَبير بَين الأرْقامِ المَكْتوبةِ بالحُروفِ العَرَبيّةِ و الأرْقامِ المَكْتوبةِ بالحُروفِ اللّاتينيّةِ ، وإنّ فَهْمَ العَلاقة بين الكتابتين عَسيرٌ عند فَحْصٍ سَطْحيٍّ .
إذا كان الاِنْتِشارُ الشَّديدُ للكِتابةِ ووَسائلِ الاِتِّصالِ في أيامِنا هذه سَهَّلَ تَوحيدَ الخُطوطِ فإنّ السُّكّان في ذلك الزَّمَانِ كانوا قليلين وكانت الكِتابةُ اِمْتِيازا للأقلّيّة منهم والكُتُبُ نادِرةً غاليةً ومَراكِزُ الثَّقافةِ في العادةِ مَعْزولةً جِدًّا ... ولذلك نجد أنّ الكِتابة قد تطَوَّرَتْ على أشْكالٍ مُخْتَلِفةٍ مَحَلّيّةٍ تُتابِعُ مَسيراتٍ مُتَشَعّبة غَيرَ خَطّيّةٍ وتنْشَأُ وتَزولُ وتَتَعايشُ ويُؤَثِّرُ بَعْضُها على بَعْضٍ وحتّى الأداةُ المُسْتَخْدَمةُ للكِتابةِ تُؤَثِّرُ في الخَطِّ ؛ فالكاتِبُ الّذي يَمُدُّ حِبْرًا على مُهْرَقٍ بقَلَمٍ أو الحَفّارُ الّذي يَحْفِرُ على لَوحةِ الحَجَرِ بإزْميلٍ أو الطَّبّاعُ الّذي يَطْبَعُ على وَرَقةٍ بآلةِ الطَّبْعِ ، فإنّ كُلَّ واحِدٍ منهم يُكَيِّفُ الخَطَّ مع الاِحْتِياجاتِ الخاصّةِ به .
وحتّى نَتَمَكَّنَ من فَهْمِ تَطَوُّرِ خَطِّ الأرْقامِ يَجِبُ علينا اِتِّباعُ مَسيرتِها من الهِنْدِ إلى أُوروبا وفَحْصُ البَقايا التّاريخيّةِ الّتي في حَوزتِنا.
توجَدُ شَهاداتٌ عن أَوَّل اِسْتِعْمالٍ للدَّلالةِ المَوضِعيّةِ في نُصوصٍ هِنْديّةٍ حَولَ القَرْنِ السّابِعِ أي في بِدايةِ العَصْرِ الإسْلاميِّ .
حينها كانَ العالَمُ العَرَبيُّ يَتَّسِعُ بسُرِعةٍ شَديدةٍ جُغْرافيًّا وثَقافيًّا فدَخَلَ في قَليلٍ من الوَقْتِ في عَلاقاتٍ مع الحَضارةِ الهِنْديّةِ وبَعْدَ ثلاثِمئةِ سَنَةٍ تَقْريبًا استطاع أن يتَشَرَّبَ منها دَلالةَ الأعْدادِ فغَيَّرَ خَطَّ الأرْقامِ مُكَيِّفًا أيّاها لكِتابتِه بل لكِتاباتِه ، كِتاباتِه لأنّ هناك أساليبَ مُتَنوِّعةً كانَتْ تَطَوَّرَتْ على مَرِّ الزَّمانِ وفي أمْكِنةٍ مُخْتَلِفةٍ من العالم الإسلاميّ .
هناك شَكْلٌ من أشْكالِ الأرْقامِ أتى من قَلَمِ النَّسْخِ ونَجَحَ في الأقْطارِ المَرْكَزيّةِ والشَّرْقيّةِ من العالَمِ العَرَبيِّ، واشْتَقَّتْ منه الأرْقامُ العَرَبيّةُ الحاليّةُ .
وهناك شَكْلٌ آخَرُ أتى من الخَطِّ الكوفيِّ ونَجَحَ في الأقْطارِ الغَرْبيّةِ ، وكانَتْ أرْقامُه تُسَمّى الأرْقامَ الغُباريّةَ لأنّها مَكْتوبةٌ بساقٍ صَغيرةٍ على طَبَقةٍ رَقيقةٍ من غُبارٍ أو رَمْلٍ ؛
هذه هي الأرْقامُ الّتي جاءَ بها " ليوناردو" إلى إيطاليا في القَرْنِ الثّالِثِ عَشَرَ، إنّها أرْقامٌ تُشْبِهُ كَثيرًا الأرْقامِ اللّاتينيّةِ .
وما زالَ الخَطُّ يَتَطَوَّرُ حتّى اليَومِ ، كما هو الحالُ في الشَّكْلِ المُنكَسِرِ المُبَسَّطِ ذي سَبْعِ قِطَعٍ في مَشاهِدِ بَعْضِ الأدَواتِ الإلِكْترونيّةِ .
يَجْدُرُ بنا الآن أن نَشْرَحَ شَرْحًا مُسْتَقِلًّا الصِّفْرَ الّذي لم يَكُنْ مَوجودًا في الدَّلالةِ المُضافةِ ولا حتّى في الدَّلالةِ المَوضِعيّةِ عند بِدايتها .
قالَ " ليوناردو" في كِتابِه (في اللُّغةِ اللّاتينيّةِ) :
" الأرْقامُ الهِنْديّةُ تِسْعة وهي 9 8 7 6 5 4 3 2 1 يُمْكِنُنا كِتابةِ أيِّ عَدَدٍ بهذه التِّسْعةِ أرقام وبعَلامةِ 0 - الّذي يُسَمّى في العَرَبيّةِ زيفيرو - كما سنُبَرْهِنُ على ذلك فيما بَعْدُ ".
لقد كان الصِّفْرُ هو آخرُ الأعْدادِ المُكْتَشَفةِ .
إذا فَكَّرْنا وَفْقًا للدَّلالةِ المَوضِعيّةِ فإنّنا نستطيع القول أنّ عَدَدًا مِثْلَ ٥٠٤ هو خَمْسُ مِئاتٍ وأرْبَعُ وَحَداتٍ (أو العَكْسُ) ، من غير عَشَراتٍ، غير أنّ التّرجمة الكتابيّة لهذه الفِكْرة يعطيناِ ٥٤ ؛ لذلك وَضَع الرِّياضيّون الهُنودُ القُدَماءُ بين الرَّقْمَينِ اللّذَينِ يَجِبُ فَصْلُهما فَراغًا (سونيا) الّذي صارَ نُقْطةً (بينتو) أو دائرةً صَغيرةً (تشاكرا) لكي يَسْتَطيعوا رؤْيتَه بصِفةٍ أفْضَلَ . لم تَكُنْ هذه العَلامةُ رَقْمًا حَقيقيًّا ، لكنّها كانَتْ تُعَلِّمُ على وَضْعٍ فقط .
كانَ من الصَّعْبِ على القُدَماءِ أن يَعْتَبِروا الصِّفْرَ رَقْمًا لأنّ الأعْدادَ كانَتْ تُمَثِّلُ لهم في الأصْلِ أشْياء واقِعيّةً تَنتُجُ عن عَدِّ الأشْياءِ ؛ لم تَكُنْ لهم القُدْرةُ على تَصَوُّرِ عَدَدٍ مَوجودٍ بذاتِه ، لقد كانَ هذا التَّفْكيرُ تَجْريدًا اِسْتَغْرَقَ اِسْتيعابُه زَمَنًا طَويلًا ، وصارَ فيه اللّاشَيءُ شَيئًا.
لذلك لم يَكُنْ مُمْكِنًا للصِّفْر أن يوجَدَ حَقًّا ، لقد كانَ وَسيلةً كِتابيّةً ، مُجَرَّدَ حيلةٍ فقط .
اللّغةُ العَرَبيّةُ ، كاللّاتينيّةِ ، ما كانَتْ تَعْرِفُ أسْماءَ الأعْدادِ إلّا من الواحِدِ فصاعِدًا ، والكَلِمةُ "صِفْر" جاءتْ لاحِقًا كتَرْجَمةٍ للكَلِمةِ السَّنْسكريتيّةِ "سونيا".
أدْخَلَ " ليوناردو" إلى اللّاتينيّةِ الكَلِمةَ العَرَبيّةَ مُباشَرةً بلا تَرْجَمةٍ إضافيّةٍ ، فأتَتْ منها الكَلِماتُ المُطابِقةُ في كُلِّ اللُّغاتِ الأُوروبيّةِ الحَديثةِ.
هذه هي حِكايةُ " ليوناردو بيزانو" وأرْقامِه.
على الأقَلِّ هذه المَرّةَ نستطيع ألّا نُسَمّيها عَرَبيّةً أو هِنْديّةً لكن أرْقَامَ "ليوناردو" ،
لقد اسْتَحَقَّ ذلك لأنّه كان واحِدًا من أهمَّ الفاعِلينَ في تَطوّرِ المَعْرِفةِ الّذي لا يُمْكِنُ إيقافه ، تطوّرٍ يَجْتازُ حُدودًا وثَقافاتٍ وعُصورًا.
وإنّ تَقافتنا ما هي إلّا نتيجة لمَسيرةٍ فكريّة تَشْتَرِكُ فيها البَشَريّة كُلّها .
ومَهْمَا كانَتْ الصِّفةُ الّتي نُريدُ أن نُعْطِيَها لها – تَقافةٌ غَرْبيّةٌ أو شَرْقيّةٌ أو تَفافة دينٍ أو قَومٍ ما ... من شأْنِها أن تُساعِدَنا على فَهْمِ سِياقِها فَهْمًا أفْضَلَ - فإنّنا في النِّهايةِ لا نَحْصُلُ إلّا على تَحْديدِها والتّنقيص من شأنها.
يَجِبُ أن تَكونَ المَعْرِفةُ تُراثًا لجَميع اليشريّة لأنّها نَتيجةٌ لمُساهَمةِ العَديدِ من الرِّجال والنِّساءِ في كُلِّ الأماكِنِ والأزْمِنةِ ، أغْلَبُهم غَمَرَهم النِسْيانُ ... حتّى ليوناردو وتَعَرَّضَ للخَطَرِ نَفْسِه .
لحسن الحظّ ها نحن نَذْكُرُه الآن وسنَبْقى نَذْكُرُه على مَرِّ العُصورِ.
لقد اسْتَحَقَّ ذلك.
تأليف : باولو موريني
ترجمة : باولو موريني (بإشراف عبد الملك سماري)