Vues et vécus en Algérie et ailleurs. Forum où au cours des jours et du temps j'essaierai de donner quelque chose de moi en quelques mots qui, j'espère, seront modestes, justes et élégants dans la mesure du possible. Bienvenue donc à qui accède à cet espace et bienvenue à ses commentaires. Abdelmalek SMARI
فضل ليوناردو على الأرقام العربيّة من فضل بجاية على ليوناردو
قَليلٌ مِن النّاس من تَرَكَ أثَرًا مُهِمًّا في العالَمِ الغَرْبيِّ كذلك الّذي تركه "ليوناردو بيزانو" الّذي تَعْرِفُه الأغْلَبيّةُ - خَطأً - باسْمِ "فيبوناتشي".
ورَغْمَ أنّ العَديدَ من النّاس يَعْرِفونَ هذا الاِسْمَ فإنّ القَليلَ منهم يَعْرِفُون من كانَ هذا الرّجل بحَقٍّ وما كانَتْ مُساهَمتُه الأساسيّةُ كما أنّهم يوقنون أنّه لم يَحْصُلْ على الفَضْلِ المُناسِبِ لعَمَلِه .
لقد عاشَ " ليوناردو بيزانو" قَبْلَ ثَمانيمِئةِ سَنةٍ .
لم يَكُنْ مُخْتَرِعًا "شَريفًا" مِثْلَ مُشارِكِه في الاِسْمِ "ليوناردو دا فينشي" ، لم يَكُنْ عالِمًا عاليًا مِثْلَ أينشتاين أو فَنّانًا فَريدًا مِثْلَ موزارت وَلم يُدْهِشِ النّاسَ بعَبْقَريّتِه ولمْ يُذْكَرْ في كُتُبِ التّاريخِ حتّى ...
غير أنّه كان أشَدَّ المُشَجِّعين لفِكْرةٍ عَبْقَريّةٍ ، فِكْرةٍ حَوَّلَتْ المُجْتَمَعَ في عُمْقِه ، فِكْرةٍ مازالت تُسْتَعْمَلُ إلى يومنا هذا في الحَياةِ اليَوميّةِ ، فِكْرةٍ بدونِها لم يَكُنْ من المُمْكِنِ التَّنْميةُ العَظيمةُ للفِكْرِ العِلْميِّ الحَديثِ .
تتمثّل هذه الفِكْرةُ العَجيبةُ في اِسْتِخْدام الدَّلالةِ المَوضِعيّةِ لرَسْمِ الأعْدادِ وللحِسابِ المستعملة في الأرْقامِ الهِنْديّةِ (المعروفة بـالأرْقامِ "العَرَبيّةِ").
كانَتْ الأرْقامُ الهِنْديّةُ قد عُرِفَتْ قَبْلَ ذلك الوَقْتِ في ذلك الجُزْءِ من أوروبا - الّذي كان في طَريقِ إعادةِ تأْسيسِه المُتْعِبِ على أنْقاضِ الإمْبِراطوريّةِ الرّومانيّة - لكنّها كانَتْ تَجِدُ صُعوبةً في إثْباتِ نَفْسِها ؛ ولا شَكَّ أنّها كانَتْ ستَنْجَحُ بدونِ مُساعَدةِ "ليوناردو" كذلك ، كما أنّه من المُحْتَمَلِ أيضا أنّها كانَتْ ستَتَحَقَّقُ في زَمَنٍ تالٍ على وَتيرةٍ بطيئة وربّما
بأقَلَّ فَعّاليّة .
كان لليوناردو الفَضْلُ الكبير في أنّه كانَ أوَّلَ من أدْرَكَ أهَمّيّتَها ، وأنّه كَرَّسَ حَياتَه لنَشْرِها.
لقد كُلِّل جُهْدُه بنجاح باهر لكن مع الأسَفِ لم يَسْتَطِعْ أن يُقَدِّرَه حَقَّ قَدْرِه لريبةِ النّاسِ ومُقاوَمتِهم له ولعمله في البِدايةِ ، ذلك لإنّ التَّحَرُّرَ من العاداتِ القديمةِ صَعْبٌ.
لقد تَطَلَّبَ ذلك النّجاح مُرورَ ثَلاثةِ قَرُنٍ على الأقَلِّ قَبْلَ أن تَبْدَأَ الأغْلَبيّةُ في اِسْتِخْدامَ الطَّريقةِ الّتي اِقْتَرَحَها "ليوناردو" .
والآن ، بماذا تَتَمَيَّزُ الدَّلالةُ المَوضِعيّةُ الجَديدةُ ؟
إنّ النِّظام السّابِق ، الّذي يُسَمّى بالدَّلالةِ المُضافةِ ، لم يكن عنده مَفْهومُ رَقْمٍ : أعْداد بَسيطة تُوافِقُها بَعْض العَلامات تُكْتَبُ في سِلْسِلةٍ ثمّ تُجْمَعُ لتُمَثِّلَ الأعْدادَ أكْثَرَ تَرْكيبًا ،
مَثَلًا في الأرْقامِ الرّومانيّةِ I=1، V=5، X=10،L=50، فإذا أردنا كتابة الرّقم 66 فإنّنا نضطرّ إلى كتابة 5 بجانب ال1 ثمّ ال 10 بجانب ال 1 وأخيرا ال 50 بجانب الكلّ LXIV .
وعليه فإنّ كتابة الأعْداد الكَبيرة على منوال هذه الدَّلالةِ سيحتاج إلى عَلاماتٍ كَثيرةٍ مُخْتَلِفةٍ في سَلاسِلَ طَويلةٍ .
أمّا في الدَّلالةِ المَوضِعيّةِ فيُمَثَّلُ العَدَد بسِلْسِلةِ أرْقام بسيطة : بمعنى أنّ هناك عَشْرةُ أرْقامٍ مُخْتَلِفةٍ يَتَوَافَقُ كُلُّ رَقْمٍ مع عَلامةٍ من عَشْرِ عَلاماتٍ مُخْتَلِفةٍ لها قيمةٌ أساسيّةٌ من 0 إلى 9 ؛ لكنّ قيمتَها الحَقيقيّةَ تَتَوَقَّفُ على وَضْعِها في السِّلْسِلةِ ، وإذن فكُلُّ طَفْرةٍ من وَضْعٍ إلى وَضْعٍ سيُضاعِف الرّقمَ بعَشْرةِ أضعاف .
وهكذا يُمْكِنُ لنَفْس العَلامة أن تُمَثِّلَ قِيَمًا مُخْتَلِفةً كما يَحْدَثُ بالضَّبْطِ في كتابة العدد "66" حيث أنّنا كتبنا بنفس الرّقم عنصر الآحاد وعنصر العشرات ...
بهذه الطّريقة العبقريّة تَصيرُ الأعْدادُ أقْصَرَ والعَلاماتُ الّتي علينا أن نَحْفَظَها أقَلَّ والحِساباتُ أسْهَلَ ، خاصّةً إذا تَرَتَّبَتْ الأرْقامُ في أعْمِدةٍ .
ولنَعُدْ الآن للحديث عن "ليوناردو بيزانو" ... لقد قُلْنا سابِقًا أنّ الأغْلَبيّةَ يَعْرِفونه كـ "فيبوناتشي".
فعلا ، لقد مرّت ثَمانيمئةِ سَنةٍ على مَوتِه لكن لازالت شُهْرتُه تَرْتَبِطُ حتّى الآنَ بسوءِ تَفاهُمٍ مُزْدَوجٍ .
يَتَعَلَّقُ أوَّلُهما بِاسْمِه : فَ "ليوناردو" لم يَعْرِفْ أنّ اِسْمَه "فيبوناتشي".
وما هذا الاِسْمُ إلّا اِخْتِصارٌ لشَكْلِ التَّسْميةِ اللّاتينيّةِ الّتي تُنْسِبُه إلى أُسْرتِه : "فيليوس بوناتشي" ، يعني " ابن بوناكوس" .
وإن نَسْمَحْ لأنْفُسِنا يُمْكِنّا أيضًا أن نُسَمّيَه بكاملِ حُرّيّةٍ " ابن حَسّان" لأنّ هذه هي تَرْجِمتُه الحَرْفيّةُ !
رُبّما وُجِدَ اِسْمُ " فيبوناتشي " مُخْتَصَرًا في بَعْضِ وَثائقِ ذلك العَصْرِ، لكن لا أحَدَ سَمّاه كذلك ولم يذكره أيُّ كِتابٍ عِلْميٍّ بذلك الاسم حتّى جاء القَرْن التّاسِع عَشَرَ حيث نشأ سوءُ التَّفاهُمِ الثّاني لمّا دَعا عالِمٌ فَرَنْسيٌّ للرِّياضيّاتِ إلى العمل بـمنهج " تَسَلْسُلِ فيبوناتشي"
ذلك التّسَلْسُل العددِيّ الّذي ترتّب عنه حَلّ لواحِدةٍ من المُشْكِلاتِ الكَثيرةِ في عَمَلِه الأهَمِّ "كِتابُ المِعْدادِ".
هذا التَّسَلْسُل - الّذي كَثيرًا ما نَجِدُه في أوضاعِ الحَياةِ الحَقيقيّةِ وفي الطَّبيعةِ – له خَصائصُ كَثيرةٌ مُدْهِشةٌ سَواءً على المُستَوى الرِّياضيِّ أو على المستوى العَمَليِّ .
سأكْتَفي بما قُلْتُه في هذا النَّصِّ . لأنّ هناك كُتُبٌ كامِلةٌ كُتِبَتْ عن ذلك التَّسَلْسُلِ .
لقد صار هذا التّسلسل اليَومَ مَعْروفا جِدًّا حتّى بَين النّاسِ الّذين لا يَهْتَمّونَ بالرِّياضيّاتِ ، بل يُمْكِنُ القَولُ أنّه صارَ مَوضةً .
مع الأسَفِ لم يَكُنْ "ليوناردو" نفسُه يَعْرِفُ أنّه أنجَزَ اِكْتِشافًا عَظيمًا كهذا ومَنَحَه اِسْمَه !
ولكن من كانَ " ليوناردو بيزانو" في الحَقيقةِ يا تُرَى ؟
عُرِف " ليوناردو" كرِياضيٍّ كَبيرٍ في العُصورِ الوُسْطى، غير أنّ هذا التَّعْريفَ غيرُ دَقيقٍ كذلك ؛ قد يستطيع أحدنا اليَومَ أن يَنْعَتَه بعبارة "مُذيعٍ عِلْميٍّ" Divulgatore scientifico/Vulgarisateur scientifique
في الواقِعِ لَيسَتْ لنا أخْبارٌ كَثيرة عن حياتِه ولكنّنا نَسْتَطيعُ أن نُعيد لَحَظاتِها كبيرةِ الأهَمّيّة بذكر الآثارِ الّتي تَرَكَها لنا وذكر أعْمالِه.
كانَ "ليوناردو" ابنا لتاجِر غَنيّ من مدينة " بيزا " الشّهيرة عُيِّنَ مُوَظَّفًا في الجماركِ في مَدينةِ بجاية (ما أشبه الاسمين !) حيث اصْطَحَبَ الأب اِبْنَه المُراهِقَ .
هناك في تلك المجينة الجزائريّة وجد " ليوناردو " فُرْصةً للدِّراسةِ فعَرَفَ الأرْقامَ الهِنْديّةَ والدَّلالةَ المَوضِعيّةَ الّتي كانَ العَرَبُ قد دَرَسوها على الرِّياضيّين الهِنْديّين واعْتَرَفَ بتَفَوُّقِها في الحِسابِ .
بَعْد عَودتِه إلى حدينة بيزا أصْبَحَ تاجِرًا كأبيه وناوَبَ بين العَمَلِ والوَلَعِ بالرِّياضيّاتِ واسْتَفادَ من كُلِّ رِحْلةٍ إلى حواضر العلم العربيّة لتَعْميقِ مَعارِفِه في وللحُصولِ على كُتُبٍ قَديمةٍ كانَ الغَرْبيّونَ يَظُنّونَها مَفْقودةً ولكن كانَ العَرَبيّونَ اسْتَرَدّوها وتَرْجَموها إلى لُغتِهم .
من حُسْنِ الحَظِّ كانَ " ليوناردو" تاجِرًا وإلّا ما كان ليكون حازِمًا جِدًّا في دِراسةِ الأرْقامِ الهِنْديّةِ وفي تَدْريسِها خاصّةً .
لقد كانَ العُلَماءُ في ذلك العَصْرِ مَحْبوسين في الأدْيارِ أو في مَكاتِبِهم ، وكان عِلْمُهم عَقيمًا مقصورا على القَليلِين من ذوي الشّأن والحظّ .
وفي القَرْنِ الثّالِثِ عَشَرَ، بَعْدَ انْحِطاطٍ امتدّ قُرونا ، كانَ المُجْتَمَعُ بصدد إعادة تَنْظيمه : كانَتْ المُدُنُ تَنْمو من جَديدٍ والتِّجارةُ عادَتْ تَزْدَهِرُ وبَدَأتْ تَتَشَكَّلُ طَبَقةٌ وُسْطى كانَتْ لها رَغْبةٌ كَبيرةٌ في المَعارِفِ وحاجةٌ ماسّة إليها وكانَ التُّجّارُ ، خاصّةً ، في حاجةٍ إلى الحِسابِ بسُرْعةٍ ودَقّةٍ. حتّى ذلك الوَقْتِ كانَ التُّجّارُ اِسْتَخْدَموا الأعْدادَ الرّومانيّةَ وطَبَليّةَ العَمودِ، لكن طَريقةٌ كهذه كانت مُعَقَّدةً جِدًّا على عكس الأرْقام الهِنْديّة الّتي كانَتْ تُمَثِّلُ تَحَسُّنًا حاسِمًا.
تأليف : باولو موريني
ترجمة : باولو موريني (بإشراف عبد الملك سماري)