Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

Vues et vécus en Algérie et ailleurs. Forum où au cours des jours et du temps j'essaierai de donner quelque chose de moi en quelques mots qui, j'espère, seront modestes, justes et élégants dans la mesure du possible. Bienvenue donc à qui accède à cet espace et bienvenue à ses commentaires. Abdelmalek SMARI

يا رُوحُ ، بِأيِّ حُبٍّ جُرِحْتِ ؟ (3)

 

" وصحيح أنّ للفنّ دورًا اجتماعيًّا - أيًّا كان معنى هذا - باعتباره أحد مكوّنات الوعي ، والوعيُ فاعلٌ اجتماعيٌّ ، ولكن الصّحيح ، أيضا ، أنّ الفنّ - المكتوب ، أساسًا ، فهذا هو ما نتحدّث عنه - نشاط فرديّ ، بل حميم ، ليس ذاتيّا بالضّرورة ، وليس "معزولًا" ، بل "عميق" ، وخاصّ ، وإبداعيّ ، وخلّاق ، مِن الجانبينِ . "

"أصوات الحداثة" - إدوار الخرّاط

 

 

انتقاد الشِّعر؟
قصيدة  !
هانا (ها نحن) أمام نصّ حيث لا يمكن للمرء إلّا أن يقولَ " أُحِبُّ" ، " لا أُحِبُّ " أو "لا يهمّني على الإطلاق" .  ذلك أنّ القصيدة هي النّصّ الوحيد الّذي يُمْكِنُ لِمُؤلِّفِهِ - لا غَيْرَ - أن يستخدِمَ فيه النّقاط والفواصل وغَيْرَها من شَدّةٍ وهمْزةٍ وتَحْريكٍ ومَدٍّ أو يعْفُوَ عنها أو يُضيفَ ما شاء متى شاء وكيفما شاء أو يطرحَه ويستغنِيَ عنه ... فالشّعر موسيقى مِن قبلُ ومن بعدُ .

إذنْ يمكن للشّاعر أن يَلْوِيَ عنق اللّغة إن طاب له ذلك لكن شريطة ألّا يُصدِرَ عملَه عن جهلٍ أو عن غير وَعْيٍ منه .

يجب عليه ، إن أراد المشاكسة ، أن يعرف بما فيه الكفاية لُغَتَه ، أن يكون مُلِمًّا بها وبمُمَيِّزاتِها، مُحيطًا بأبعد أطرافها وأعمق خباياها ، مُدرِكًا لِقواعدِها وشواذّها ، متذوّقا لجمالها وموسيقاها عَارِفًا لِقيمَتِها ومُقْدِرًا أيّاها حقّ قدرها ... هذا ، ثمّ إنّه لن يَحُقَّ له بعدُ مَرْمَدَتُها إلّا إذا تيقّن أنّها لم تَعُدْ تَنْفَعُ لِمُرَادِهِ ولِمُبْتَغَى فَنِّهِ .
في هذه الحالة فقط يَحُقّ لمُشاكسٍ أن يَلْوِي عُنُق لغته ويفعلَ بها كلّ ما يريد.  يَحُقّ له حتّى إرضاء أصدقائنا من هوّاة " الفنّ للفنّ " وسوف لن يكون سخيفا أبداً لأنّه حينها يكون على وعي بما يفعله.
ومع ذلك ، عندما يتحتّم علينا أن نتكلّم من أعلى منبرٍ ما - كذلك الّذي عادة ما يتحدّث منه "حدّاد" (رئيس أرباب العمل في الجزائر، "الْبَاطْرُنْ دي بَاطْرُنْ" ، كما يَطيب لأهلينا المُتَفرنِسين أن ينادوه) ، "أرسطو"، "أُوغَسْطِينْ" ، "فرويد" أو" بوان-كاري" ... -  يجب أن نكون حذرين في اختيارنا للكلمات : ما هي الكلمات الّتي نريد استخدامها ؟ أين نضعها ؟ كيف نقدّمها ؟ في أيّ حلّة وفي حضرة من ؟ وعلى شرف من ؟ إلخ ، إلخ  ...
أُرَاهِنُ أنّ الأكثر تَعَصُّبًا - بين المتعصّبين لنظريّة الفنّ للفنّ - لا يمكنه أن يَبقَى ساكنًا من غير أن ينفجر ضَحِكًا لو يسمع "علي حدّاد" (نْتاعنا) وهو يلوك اللّغة الفرنسيّة المسكينة ، بل وهو يفترسها افْتِراسًا ، وهو يَدوسُها دَوسًا بِقدميه !!!

ومع هذا فإنّ "علي حدّاد نْتاعنا" لا يزيد شيئا على أن يفعل بهذه اللّغة الأجنبيّة ما يفعله ، عادةً وبغطرسة بليدة ومن غير اكتراثٍ ، الكُبَراءُ المزعومون من كُتّابِنا وشُعَرائِنا وخُطَبائِنا ونَاشِرِينَا بِلُغَتِنَا العَربيّةِ .
أمّا بالنِّسبة للفضوليّين مثلنا - الّذين سَوّلتْ لهم أنفسُهُم ألّا يتهافتوا على ذلك السّراب المدعوّ "الفنّ للفنّ" والّذين يريدون مع ذلك أن يعرفوا كلّ شيء عن الآخرين وعن العالم ، مستخدمين في سبيل ذلك كلَّ حِيَلِ المنطق وسُفْسَطَتِه وبلاغة الخطاب المُتاحة لهم لإدراك العالم (أو الجزء من العالم الّذي يهمّهم) حافيا ، عاريا عَرْيًا أحمر متألّقًا ، واضعين "النّقط على الياء"  كما قال المُترجِم السّوريّ !... – أقول أمّا بالنّسبة لأولئك الفضوليّين الوقحين والقاسية قلوبهم ، أقول ، فإنّه لم يَبْقَ لهم إلّا البكاء فقط .
الخلاصة أنّه لا أَحَدَ لديه الحقّ – ماعدا المؤلّف - في لمس أيّ شيء في القصيدة .
هذا ، ولكن يجب ألّا ننسى أنّنا لا نكتب الشّعر فقط ...
كلّ ما في استطاعة النّاقد (النّاقد الجيّد) أن يفعله هو اقتراحُ أصواتٍ أوصورٍ أو استجوابُ المعاني لطمأنة نفسه ، لتقديرالنّصّ أو إظهار تقديره له ، بمعنى آخر لتغذيّة حساسيّته الخاصّة على نحو أفضل .
عندما كان "جبران" يتغنّى بعدالة الغاب رأى "عبّاس محمود العقّاد" أن يُبْلِغَه بأنّه من وجهةِ نظرٍ فلسفيّةٍ لا يمكن للغاب أن يكون لا عادلا ولا جائرا ، وإنّه إذن لمن الهراء أن يدّعي امرؤ ذلك . فالعدالة ما هي إلّا مصطلح لفئة فكريّة تميّز العقل البشريّ وحده.  لذا فمن السّخف أن نَنْسِبَ إليها ميزةً غريبةً عنها قد تعصف بها بل وقد تَمْحُو حتّى هويّة الغاب نفسها.
لم يَهْرَعْ مِن جانبه "جبران خليل" إلى "تصحيح" ذاك الخطأ أو الاعتراف به - الشّيء الذي كان يمكن أن يكون قاتلاً لشعره وعبقريّته.  ذلك أنّ الخطأ الذي كان يمكن أن يرتكبه فعلًا فيُشَوِّهَ بمقتضاه شعره هو أن يدعن لأوامر رقيب فضوليّ حتىّ ولو كان "العقّاد" العظيم نفسه .
بالطّبع ، كان الشّاعر "جبران" يعني أن العدل بين النّاس بات نادرًا جدّا وُجُودُهُ بِحيثُ يمكن العثور عليه في كلّ شيء وفي كلّ ركن من أركان الكون إلّا حيث ينبغي أن يكون ، يعني إلّا عند بني الإنسان .
ورجل سيّاسة مثل "العقّاد" كان لا يريد لمُوَاطِنِيهِ (الّذين ليسوا عباقرةً كلّهم أو حتّى شعراء بسطاء !) أن يعتقدوا أنّ العالَمَ أُحَادِيُّ الأبعاد ، أنّ العالَمَ شِعْرٌ وَحَسْبُ ، "والرّوح تطلع" ، لأنّ اعتقادًا كهذا كان مِن شأنِه أن يؤدِّيَ بهم مُباشَرةً إلى الدّرويشيّة الأبديّة .

 

الخلاف الأبديّ

نفس هذا الجدل تقريبا حدث بين "تشيخوف" ، المسرحيّ والقاصّ الرّوسيّ ، وبعض الرّومانسيّين من الرّواقيّين الجُدُدِ : لقد تحدّاهم "تشيخوف" إذا كانوا يستطيعون العيش في شتاء سيبيريا حسب ادّعائهم القائل أنّ الأرض فراش والسّماء غطاء ونجومها.
ما كان "تشيخوف" أن يوجّه تحدّيه هذا لشاعِرٍ - وهذا أمرٌ بديهيّ - على الرّغم من أنّ مواطنَه نابوكوف (وهو من هو بين أنصار الفنّ للفنّ) ، كما سنرى ، كان سيضحك على دَقْنِ مِثلِ هذا الشّاعِرِ.
أعتقد أنّ أصدقاءنا من أصحاب "الفنّ للفنّ" غالباً ما يخلطون أو يقصدون الخلط بين هذين السِّجِلَّيْنِ (الواقع وشبه الواقع -  la réalité et la vraisemblance) .

ما الّذي يمكن أن يُقال عن "أوسكار وايلد" الّذي قضى ذات مرّة فترة طويلة بعد الظّهر يضع فاصلة ثمّ يمحوها ؟
ألم يكن "أوسكار وايلد" - وما أدراك ما هو - فنّانًا كبيرًا ؟
لا أستطيع أن أمنع "النّابغة الذّبياني" من أن يقول " إنّك شمس ، والملوك كواكب ..."
لا أستطيع أن أمنع القرآن من أن يقول "هيتَ لك" أو "هيتُ لك" أو "الم، طس، كهيعص..."
لا أستطيع أن أمنع "دَانْتي" من أن يقول "البابا الشيطان ، البابا الشيطان ألِبِّي..."

لا أستطيع أن أمنع "بوشكين" و"ليرمونتوف" من أن يُقْسِمَا بالنّجوم أو بالظّواهر الطبيعيّة ، اقتباسا من القدماء ومن القرآن خاصّة  ...
كلّا ، لا أستطيع ، لا سيما وأنّ مؤلّفي هذه الأمثلة (والقرآن) لم ينفقوا زهرة وقتهم لتكرار هذه الغَرَابَاتِ حتّى الضّجر وإلّا لما كان بَقِيَ هناك أحدٌ لِيَقْرَأَهُم أو لِيستمِعَ إليهم  ...
ولماذا ، بالمناسبة ؟
أيستطيع أحدهم أن يستمع بنشوةٍ صَخَبَ محرّك ديزَلْ غبيّ في سحابة من دخان أسود خانق ، مُغلِقًا على نفسه في مرآب مُغلَقٍ ؟
إنّ الكتّاب الجيّدين والجادّين يكتبون حتّى يفقهوا ويُفَقِّهوا . ذلك أنّ الكتابة الفنّيّة والكتابة العلميّة ما هما إلّا وجهان لذكاء الكاتب وإحساسه.  وللإحساس والذّكاء قواعد وقوانين تحكمهما ، فيجب إذن احترامها والعمل بمقتضاها إذا أراد المرء أن يفقه ويُحِسَّ .
هذا يعني أنّ قضيّة "الفنّ للفنّ" لا تتعارض بالضّرورة مع وجود قواعد ، بالعكس فإنّ القواعد (والخصائص الفيزيائيّة) للعالم ، ولأشياء العالم ، ومظاهرها (المادّيّة أو الرّوحيّة) هي ، على نحو مفارق ، عناصر لا غِنًى عنها ، عناصر تُشَكِّلُ الهويّةَ ذاتَها لكائن الأشياء والعالم .
ثمّ إنّنا لا نكتب فقط لإنشاء مَوَاوِيلَ بَلْهَاءَ أو مَنَادِبَ وغيرَها من التَّبَاكِياتِ السّخيفة المثيرة للشّفقة .
إنّ الكاتب لَيَكْتُبُ أسَاسًا لِشرحِ ما هي الذّرّة ، يكتب للاستدلال على نظريّةٍ ما ، للدّفاع عن الأبرياء المظلومين ، لتقديم برنامج سياسيّ ، لكتابة قانون ، لوصف مشهدٍ أو منظرٍ ، يكتب ليقول ما لا تستطيع تفسيرَه وقولَه آهاتُ وأوّاهاتُ أسلافنا مِن الدّراويش وغيرهم من المشعوذين  ...
ليس بالهذيان الطّامّ نستطيع أن ندافع عن الفنّ للفنّ. الهذيان حالة فصاميّة أو على الأقلّ شخصيّة . إنّه ينتمي فقط لصاحبه ولا وجود له إلّا في خياله . ذلك أنّ الهديان أعجم أخرص  ...
إذا كنّا نريد أن يدخل الآخرون إلى عالمنا ويُدخلوننا بدورنا في عوالمهم فلن يُسمحَ لنا البتّة بِتَجاهُلِ قواعدِ لُغتِنا الّتي هي مشتركة بيننا ، لأنّ هذه القواعد هي نفسها الأسس الّتي ترتكز عليها لغة الأقوام ، أيّ قوم وأيّة لغة ، لغة تجعلنا نتشارك في أحاسيس عامّة جامعة ، لغة نستخدمها كأدوات لِلتّواصُل الاجتماعيّ ولِتقاسُم العواطف والمعلومات.

 ولا يمكن أن يكون هناك أيُّ معنى لخطابٍ ، أيٍّ كان ومهما كانت الضّرورة الدّاعية له ، إذا كانت لُغتُهُ تقوم على همهمات الدّراويش الغامضة ، أو شخير الخنازير العجماء ، أو أوهام المرضى النفسيّين ، أو اصطكاك القصب الجافّ في مهبّ الرّيّاح وغيرها من الهُراءات والتّدَرْوُشَات .
من هذه الحقيقة ، من هذه الضّرورة الوجوديّة (ضرورة القواعد في اللّغة) ، يمكننا القول بأنّ الإنسان يخترع الإمبراطوريّات ، الواحدة تلو الأخرى ، في وَبِالدّماءِ والآلامِ ، ليحصل في النّهاية على لغة مشتركة ، لغة واحدة تمكّنه من العودة إلى لغة ما قبل "بابل" ، حتّى يتسنّى له التّفاهم مع أكبر عدَدٍ مُمكِنٍ مِن بَني جِنسِه .
قد تكون هناك حاجة للاختراع في اللّغة ، فقط عندما تَعجُز القواعدُ القديمةُ وتَخورُ قُوَاهَا - فَتَفْشُلُ عندها في الاستجابة لطلبات بَنَاتِ قرائحنا وشاعريّتنا - وعندما تَعْرِفُ القواعدُ الجديدةُ كيف تكون ذكيّةً ومفيدةً ، وتعرف كيف تَفرِضُ نفسَها علينا وتُقنِعُنا بسلامة بضاعتها وبفاعليّة عبقريّتها .
وباستثناء هذه الضّرورة ، فإن كلّ إنتاجنا الفكريّ ، مهما كان ذكاؤه وقيمته الجماليّه ، لن يكون سوى "استنماءاتٍ عقليّةً" ، كما يقول الإيطاليّون ، استنماءات لا تتمتّع بها إلّا نفسٌ وحيدة مغبونة بليدة ، ويا له من عزاء نفسٍ بائسةٍ لا طائلَ مِنه ،.

قد يكون لشكسبير العظيم خطأ واحد فقط في القواعد (على أيّ حال الخطأ الوحيد الذي وصلنا) : لقد أساء ربط فاعل (بصيغة الجمع) مع فعل (بصيغة المفرد)!
خطأ ما فتئ المؤرّخون حتّى يومنا هذا يذكّرون العالَمَ بِهِ حتّى يُدْرِكَ بطريقةٍ مَا أنّ شكسبير لم يكن إِلَهًا يَقْطُنُ عرش السّماء وإنّما كان فقط شاعرا عظيما .
وأعتقد أنّنا لسنا أذكى ولا أكثر عبقريّة منه .
ومع ذلك فهو كَتابِعٍ مُطيعٍ لِقواعِدِ لُغتِه (وكمُجَدِّدٍ لها أيضا) ما كان منه إلّا أن يُرْخِيَ ذَيلَه بَين سَاقَيْهِ ويَعتَرِفَ في جلالٍ بِطبيعتِه البشريّةِ المَحْضةِ ، تلك الطّبيعة الّتي تقتضي من المرء ، مَهْمَا عَلا شأنُه وجلّ جلاله ، أن يُجِلَّ ما يَتجاوَزُ قَدرَه وقُدْرتَه ، مع الاستمرار بلا رحمة  ولا هوادة  في مطاردة الرّداءة وغطرسة الجهل أينما حلّا .
إذا كُنّا غيرَ قادرين على تعلُّم قواعدِ لغتنا البسيطة ، فلْنُحاوِلْ على الأقلّ ألّا نكونَ سَخيفين ! فَلْنَعترفْ بِجَهلِنا وبِقُصُورِ عقولنا ... وإنّ لَذلك وحدَه أذكى وأجمل لنا ولكرامتنا من تظاهُرِنا بأنّنا أسمى من قواعدِ اللّغة الّتي نتكلّمها . وإنّ ذلك لهو الصّدق الفكريّ عينه .
بالطّبع يُمكِنُنا تخطّي تلكَ القواعدِ ، يمكننا أن نضحك على القطعان الّتي تتّبعها ، لكن ذلك لن يتسنّى لنا إلّا يومَ أن نَتمَكّنَ نحنُ أنفسُنا مِنَ السّيطرةِ عليها تمامًا ، كأسْيَادٍ ، مع سابق معرفة وفي كامل أمانة فكريّة .
كيف يمكننا أن ندوس النّجوم بينما نحن مجرّد حشرات زاحفة مستنقعيّة ؟
"فلاديمير نابوكوف" هو واحد من الكتّاب المُدافعين والمُتَحمِّسين لِ " الفنّ لِلفنّ" تراه يُردِّدُ بكلّ فرحٍ وفخرٍ عبارةَ فلوبير القائلة : "الإنسان لا شيء - عَمَلُهُ كلُّ شيء" .
لقد جعل هذا الكاتب الرّوسيّ الشّهير من هذه الفكرةِ الفكرةَ الرئيسيَّةَ لعمله النقديّ الضّخم " آداب –
Littératures ".
جميع المؤلّفين الّذين فَحَص أعمالَهم هناك حَكَمَ على فنّهم حسب قُربِهِم من أو بعدهم عن "آفة" الفنّ الملتزم .
ولذا فإنّ "جان بول سارتر" – المُدافِعَ الشَّرِسَ عنِ الالتزامِ في الفنّ -  سَيُصبِحُ لدى "نابوكوف" لا فنّانًا وإنّما صُحفيًّا بسيطًا !
ومع ذلك ، حتّى نابوكوف نفسه - الحريص على الفنّ من أجل الفنّ - لم يتردّد في انتقاد "سيرفانتس" نقدا مقذعا بِسَبَبِ "كذبه" في وصفه لمشهدٍ طبيعيٍّ عندما راح هذالأخير يجعل من الأندلس القاحلة حديقةً سويسريّة حقيقيّة !
وهاكم كلماتُ "نابوكوف" :

"بالآلهة العظيمة ! نُفكِّرُ في الجبال الإسبانيّة جبالٍ وعرة برّيّة عدائيّة تسحقها الشّمس ، جبالٍ صقيعيّة بَرْديّةٍ مَغَرِيّةٍ خضراء-سوداء ... ثمّ نَقرَأُ قِصَصَ قَطَراتِ النّدى والطّيور الصّغيرة !

يبدو الأمرُ كما لو أنّ سائحًا مَا - بَعْدَ زيارته لحقول الأقحوان في هضاب الغرب الأمريكيّ أو لِجِبالِ ولايةِ "يوتا" أو "كولورادو" ، وأشجارها من صفصاف وتنّوب ، وغْرانِيطِها وَوِدْيَانِها ، ومُستنقعاتها وجَليدِها وقِمَمِها المَشْؤومَة – يَقُومُ فَيَصِفُ كلّ ذلك على شكل صخرةٍ في "نيو إنجلاند" تُزَيّنُها شجيراتٌ مُستورَدَةٌ مَنحوتةٌ مثل القلطي من الكلاب وأنبوبُ سَقْيٍ مطليٌّ بِلَوْنٍ أخضرَ مُحَاكٍ . "

 

عبدالملك سماري

Article précédent Article suivant
Retour à l'accueil
Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article
B
ابحار ادبي وفكري راقي يغوص في اعماق الطبيعة البشرية شكرا صديق
Répondre
B
شكرا صديقي عبد المالك على هذه الجولة الادبية الراقية
Répondre